«الإيكونوميست»: التنوع الثقافي في كندا وراء النجاح في حماية الحقوق الاجتماعية والإنسانية
«الإيكونوميست»: التنوع الثقافي في كندا وراء النجاح في حماية الحقوق الاجتماعية والإنسانية
استقطبت كندا المهاجرين من شتى أنحاء العالم بفضل جودة الحياة العالية التي تقدمها الدولة، حيث بات المهاجرون يشكلون نحو ربع سكانها.
وكشفت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، في تقرير لها السبت، أنه وفقًا لآخر الإحصاءات التي تم رصدها، يأتي المهاجرون من خلفيات متنوعة، تتصدرهم الجالية الهندية بنسبة 19%، تليها الجالية الفلبينية بنسبة 11%، وقد أسهم هذا التنوع في إثراء النسيج الاجتماعي وتسهيل اندماج القادمين الجدد من خلال تشجيع التعايش والتعددية الثقافية.
ويعود نجاح كندا في جذب المهاجرين لعدة عوامل، منها تقديمها نظاما صحيا متكاملا ممولا من الدولة يضمن الرعاية الطبية لجميع المواطنين والمقيمين على حد سواء، كما تمتاز كندا بنظام تعليمي متقدم يوفر فرصًا تعليمية متساوية، ما يعزز تحقيق العدالة الاجتماعية ويدعم تمكين الأجيال القادمة.
وعلى مستوى الاستقرار السياسي، تتمتع كندا بدرجة عالية من الأمان والاستقرار الذي يخلق بيئة خالية من التوترات الاجتماعية، ما يوفر شعورًا بالطمأنينة للمقيمين.
تصنيفات جودة الحياة
تُظهر التقارير الصادرة عن وحدة المعلومات الاقتصادية في الإيكونوميست (EIU) أن كندا تتفوق في جودة الحياة بفضل مزيج من العوامل، منها البنية التحتية القوية التي تشمل وسائل نقل متطورة تجعل التنقل أكثر سهولة وأماناً، ونظام خدمات الطوارئ الفعال الذي يوفر الاستجابة السريعة في حالات الحوادث والأزمات.
تعزز هذه البنية التحتية من جودة الحياة وتمنح السكان إحساسًا بالأمان والاستقرار، إضافة إلى ذلك، تمنح كندا أهمية كبيرة للتنوع الثقافي الذي يشكل أحد الدعائم الرئيسية لتماسك المجتمع.
ويظهر هذا التنوع جلياً من خلال المهرجانات الثقافية والسياسات الحكومية التي تشجع على قبول الآخر وتعزيز الاندماج الاجتماعي، وفي ظل هذه الظروف، تصبح كندا من الوجهات المثلى للعيش، حيث تتجلى فيها القيم الإنسانية التي تدعم حرية التعبير والمساواة وحقوق الإنسان.
التفاوتات في الولايات المتحدة
رغم أن الولايات المتحدة تعتبر من الوجهات العالمية المهمة سواء من ناحية السياحة أو الاقتصاد، فإنها تعاني من تفاوتات كبيرة في جودة الحياة بين مدنها المختلفة، فالمدن الكبرى مثل نيويورك ولوس أنجلوس تعد مراكز تجارية واقتصادية ضخمة، لكنها تواجه تحديات مثل الاكتظاظ السكاني وارتفاع تكاليف السكن والمعيشة، فضلاً عن المشكلات المرتبطة بالسلامة العامة.
وحصلت مدينة نيويورك على ترتيب متأخر عالميًا بلغ المرتبة السبعين في مؤشر جودة الحياة، ما يعكس حجم التحديات التي يواجهها السكان يوميًا، من اكتظاظ وصعوبة في الوصول إلى خدمات الصحة والتعليم.
وعلى الجانب الآخر، حققت مدن أمريكية صغيرة مثل هونولولو في هاواي وليكسينغتون في كنتاكي ترتيبًا أعلى بفضل الهدوء النسبي وسهولة الوصول إلى الخدمات الأساسية، إضافة إلى مستوى عالٍ من الأمان مقارنة بالمدن الكبرى.
تسلط هذه التفاوتات في مستويات المعيشة بين المدن الكبرى والصغرى، الضوء على الفجوة داخل الولايات المتحدة في توفير حقوق أساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والوصول إلى بيئة آمنة ومستقرة.
التحديات في أمريكا اللاتينية
بالمقارنة مع أمريكا الشمالية، تعاني مدن أمريكا اللاتينية من تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة تؤثر سلباً على جودة الحياة، فعلى سبيل المثال، احتلت بوينس آيرس في الأرجنتين ومونتيفيديو في أوروغواي مرتبتين متقدمتين بين المدن اللاتينية، حيث جاءتا في المركزين 73 و77 على التوالي.
ومع ذلك، تظل مستويات الحياة في هذه المدن متوسطة وتقترب من مستويات المدن الأمريكية الأقل ترتيبًا مثل نيويورك وديترويت.
يُعزى تراجع جودة الحياة في أمريكا اللاتينية إلى عدة عوامل، منها الأزمات الاقتصادية المتكررة التي تزعزع استقرار المنطقة، وارتفاع معدلات الجريمة التي تضع ضغطاً كبيراً على السلطات الأمنية وتؤثر بشكل مباشر على أمان السكان، فضلاً عن الفساد الذي يقوض المؤسسات العامة ويعيق الجهود التنموية.
كما تشهد أمريكا اللاتينية في السنوات الأخيرة زيادة في الهجرة الداخلية، خصوصاً من فنزويلا حيث يهرب المواطنون من أزمات اقتصادية وسياسية مستعصية، وجاءت العاصمة الفنزويلية كاراكاس ضمن أدنى المدن تصنيفاً في جودة الحياة، ما يعكس حجم التحديات الحياتية اليومية للمقيمين فيها.
الهجرة الداخلية
مع تزايد التحديات الاقتصادية والاجتماعية، اتجهت موجات من الهجرة الداخلية داخل أمريكا اللاتينية إلى الدول التي توفر ظروفاً معيشية أفضل، مثل الأرجنتين وأوروغواي والبرازيل، يهدف هذا الانتقال إلى تحقيق مستوى معيشي أفضل، حيث يسعى الأفراد إلى بيئة توفر الأمان والاستقرار وفرص العمل، إلا أن هذا الضغط يؤدي أيضًا إلى مشكلات جديدة في المدن المستضيفة، حيث يتزايد الطلب على الخدمات العامة والبنية التحتية التي قد لا تكون مهيأة لاستقبال أعداد كبيرة من السكان الجدد.
الفجوة بين الأمريكتين
أظهرت الدراسات الفجوة الكبيرة بين أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية في جودة الحياة، حيث أحرزت المدن في أمريكا اللاتينية معدلاً أقل بـ23 نقطة مقارنة بنظيراتها في الشمال.
تعكس هذه الفجوة تباين الظروف الاقتصادية والسياسية، إذ تتميز أمريكا الشمالية بقدرتها على توفير بيئات معيشية متقدمة، مقارنة بتحديات أمريكا اللاتينية التي تظل غالباً مرتبطة بأزمات اقتصادية عميقة ومعدلات جريمة عالية.
ومع ذلك، تسعى بعض دول أمريكا اللاتينية، خاصة الأرجنتين وأوروغواي والبرازيل، إلى تحسين جودة الحياة عبر برامج إصلاحية تهدف إلى تعزيز الاستقرار وتحسين الخدمات العامة، حيث حققت هذه الجهود تقدماً ملحوظاً في بعض المدن، ما جعلها وجهات مفضلة لبعض المهاجرين الداخليين، بدلاً من التوجه إلى أمريكا الشمالية.